______________________________________________________
أراد بالمحو أن من أذنب أثبت ذلك الذنب في ديوانه ، فإذا تاب عنه محي عن ديوانه « الرابع » يمحو الله ما يشاء ، وهو من جاء أجله ويدع من لم يجيء أجله ويثبته « الخامس » أنه تعالى يثبت في أول السنة ، فإذا مضت السنة محيت وأثبت كتاب آخر للمستقبل « السادس » يمحو نور القمر ويثبت نور الشمس « السابع » يمحو الدنيا ويثبت الآخرة « الثامن » أنه في الأرزاق والمحن والمصائب يثبتها في الكتاب ثم يزيلها بالدعاء والصدقة ، وفيه حث على الانقطاع إلى الله تعالى « التاسع » تغير أحوال العبد فما مضى منها فهو المحو ، وما حصل وحضر فهو الإثبات « العاشر » يزيل ما يشاء من حكمه ، لا يطلع على غيبة أحد ، فهو المتفرد بالحكم كما يشاء ، وهو المستقبل بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار ، بحيث لا يطلع على تلك الغيوب أحد من خلقه ، واعلم أن هذا الباب فيه مجال عظيم.
فإن قال قائل : ألستم تزعمون أن المقادير سابقه قد جفت بها القلم ، فكيف يستقيم مع هذا المعنى المحو والإثبات؟
قلنا : ذلك المحو والإثبات أيضا مما قد جفت به القلم ، فلا يمحو إلا ما قد سبق في علمه وقضائه محوه ، ثم قال : قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسكوا فيه بقوله « يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ » انتهى كلامه لعنه الله.
ولا أدري من أين أخذ هذا القول الذي افترى به عليهم ، مع أن الكتب الإمامية المتقدمين عليه كالصدوق والمفيد والشيخ والمرتضى وغيرهم رضوان الله عليهم مشحونة بالتبري عن ذلك ، ولا يقولون إلا ببعض ما ذكره سابقا أو بما هو أصوب منها كما ستعرف ، والعجب أنهم في أكثر الموارد ينسبون إلى الرب تعالى ما لا يليق به ، والإمامية قدس الله أسرارهم يبالغون في تنزيهه تعالى ويفحمونهم بالحجج البالغة ، ولما لم يظفروا في عقائدهم بما يوجب نقصا يباهتونهم ويفترون عليهم بأمثال تلك