______________________________________________________
أن أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم ، وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني ، فلو قيل لنا إن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أسرعه وما أقربه تألفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج.
وقد ذكرنا كثيرا من الأخبار في ذلك في كتاب بحار الأنوار في كتاب النبوة ، لا سيما في أبواب قصص نوح وموسى وشعياء عليهمالسلام ، وفي كتاب الغيبة.
فأخبارهم عليهمالسلام بما يظهر خلافه ظاهرا من قبيل المجملات والمتشابهات التي تصدر عنهم بمقتضى الحكم ، ثم يصدر عنهم بعد ذلك تفسيرها وبيانها ، وقولهم يقع الأمر الفلاني في وقت كذا معناه إن كان كذا ، وإن لم يقع الأمر الفلاني الذي ينافيه ولم يذكروا الشرط كما قالوا في النسخ قبل الفعل ، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيل عليهالسلام من الكتاب المذكور.
فمعنى قولهم عليهمالسلام : ما عبد الله بمثل البداء ، أن الإيمان بالبداء من أعظم العبادات القلبية لصعوبته ومعارضته الوساوس الشيطانية فيه ، ولكونه إقرارا بأن له الخلق والأمر، وهذا كمال التوحيد ، أو المعنى أنه من أعظم الأسباب والدواعي لعبادة الرب تعالى كما عرفت ، وكذا قولهم ما عظم الله بمثل البداء يحتمل الوجهين وإن كان الأول فيه أظهر.
وأما قول الصادق عليهالسلام : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه ، فلما مر أيضا من أن أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء إذ لو اعتقدوا أن كل ما قدر في الأزل فلا بد من وقوعه حتما لما دعوا الله في شيء من مطالبهم ، وما تضرعوا إليه وما استكانوا لديه ، ولا خافوا منه ، ولا رجوا إليه إلى غير ذلك مما قد أومأنا إليه ، وأما إن هذه الأمور من جملة الأسباب المقدرة في الأزل أن يقع الأمر بها لا بدونها فمما لا يصل إليه عقول أكثر الخلق ، فظهر أن