______________________________________________________
قادرا على طاعة العاصي جبرا لعدم تعلق إرادته بجبره في أفعاله الاختيارية كما ذهب إليه المعتزلة وهذا أيضا نحو من التفويض وليس قدرة العبد بحيث لا تأثير له في فعله أصلا ، سواء كانت كاسبة كما ذهب إليه الأشعري ، ويؤول مذهبه إلى الجبر ، أم لا تكون كاسبة أيضا بمعنى أن لا تكون له قدرة واختيار أصلا ، بحيث لا يكون فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب إليه الجبرية ، وهم جهم بن صفوان ومن تبعه.
فهذا معنى الأمر بين الأمرين ، ولما كان مشية العبد وإرادته وتأثيره في فعله جزءا أخيرا للعلة التامة ، وإنما يكون تحقق الفعل والترك مع وجود ذلك التأثير وعدمه فينتفي صدور القبيح عنه تعالى ، بل إنما يتحقق بالمشية والإرادة الحادثة ، وبالتأثير من العبد الذي هو متمم للعلة التامة ، ومع عدم تأثير العبد والكف عنه بإرادته واختياره لا يتحقق فعله بمجرد مشية الله سبحانه وإرادته وقدره إذ لم يتحقق مشية وإرادة وتعلق إرادة منه تعالى بذلك الفعل مجردا عن تأثير العبد فحينئذ الفعل لا سيما القبيح مستند إلى العبد ، ولما كان مراده تعالى من أقداره العبد في فعله وتمكينه له فيه صدور الأفعال عنه باختياره وإرادته إذا لم يكن مانع أي فعل أراد واختار من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية ، ولم يرد منه خصوص شيء من الطاعة والمعصية ، ولم يرد جبره في أفعاله ليصح تكليفه لأجل المصلحة المقتضية له ، وكلفه بعد ذلك الأقدار بإعلامه بمصالح أفعاله ومفاسده في صورة الأمر والنهي ، لأنهما منه تعالى من قبيل أمر الطبيب للمريض بشرب الدواء النافع ونهيه عن أكل الغذاء الضار ، فمن صدور الكفر والعصيان عن العبد بإرادته المؤثرة واستحقاقه بذلك العقاب لا يلزم أن يكون العبد غالبا عليه تعالى ، ولا يلزم عجزه تعالى كما لا يلزم غلبة المريض على الطبيب ولا عجز الطبيب إذا خالفه المريض وهلك ، ولا يلزم أن يكون في ملكه أمر لا يكون بمشية الله تعالى وإرادته ، ولا يلزم الظلم في عقابه ، لأنه فعل