______________________________________________________
القبيح بإرادته المؤثرة وطبيعة ذلك الفعل توجب أن يستحق فاعله العقاب.
ولما كان مع ذلك الإعلام من الأمر والنهي بوساطة الحجج عليهمالسلام اللطف والتوفيق في الخيرات والطاعات من الله جل ذكره فما فعل الإنسان من حسنة فالأولى أن يسند وينسب إليه تعالى لأنه مع أقداره وتمكينه له وتوفيقه للحسنات أعلمه بمصالح الإتيان بالحسنات ومضار تركها والكف عنها بأوامره ، وما فعله من سيئة فمن نفسه لأنه مع ذلك أعلمه بمفاسد الإتيان بالسيئات ومنافع الكف عنها بنواهيه وهذا من قبيل إطاعة الطبيب ومخالفته فإنه من أطاعه وبرأ من المرض يقال : عالجه الطبيب ، ومن خالف وهلك يقال : أهلك نفسه بمخالفته للطبيب.
فمعنى قوله : أمر الله ولم يشأ ، أنه أعلم العباد وأخبرهم بالأعمال النافعة لهم كالإيمان والطاعة ، ولم يشأ صدور خصوص تلك الأفعال عنهم ، كيف ولو شاء ولم يصدر عن بعضهم لزم عجزه ومغلوبيته تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، بل إنما شاء صدور الأفعال عنهم بقدرتهم واختيارهم أي فعل أرادوه ، فما شاء الله كان.
ومعنى قوله : شاء ولم يأمر ، أنه شاء صدور الأفعال عن العباد باختيارهم أي فعل أرادوه ، ولم يأمر بكل ما أرادوا بل نهاهم عن بعضه وأعلمهم بمضرته كالكفر والعصيان.
فقوله : أمر إبليس أن يسجد لآدم ، أي أعلمه بأن سجدته لآدم نافع له ، وكفه عنه ضار له ، وشاء أن لا يسجد يعني لم يشأ خصوص السجود عنه ، ولو شاء خصوص السجود عنه لسجد ، لاستحالة عجزه وغلبة إبليس عليه ، بل إنما شاء صدور أيهما كان من السجود وتركه ، أي كفه بإرادته واختياره ، ولما لم يسجد إبليس ، أي كف عن السجود بإرادته ، فهو تعالى لأجل ذلك شاء كفه ، ولما كان الكف إنما يتحقق بمشية إبليس وإرادته المؤثرة وهي جزء أخير للعلة التامة فلذا يستحق إبليس الذم والعقاب ، والقبيح صادر عنه لا عن الله تعالى ، وكذا الكلام في نهي آدم عن أكل الشجرة.