الجنة قالوا « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ » وقال أهل النار « رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ » وقال إبليس « رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي » فقلت والله ما أقول بقولهم ولكني أقول لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى فقال يا يونس ليس هكذا لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى يا يونس تعلم
______________________________________________________
هنا أن المراد بالشقوة ما يصير مرجحا للأعمال السيئة من خبث الطينة وقلة العقل ، وسوء الفهم ، مما يرجع إلى العبد ، أو هذا أيضا يرجع إلى الله بناء على أن الله تعالى خالق السعادة والشقاوة ومقدرهما ، ويحتمل أن يكون المراد بالشقوة استحقاق العذاب بسبب الأعمال السيئة فإن. ذلك يصير سببا لمنع اللطف والهداية الخاصة ، ولا بقول إبليس من إسناد الإغواء إليه سبحانه ، وهذا الخبر يدل على أن غرضه من الإغواء كان هو الخذلان ومنع اللطف ، إذ ظاهر الخبر أنه عليهالسلام استشهد بقوله وقول أهل النار لتقريره سبحانه إياهما ، ويحتمل أن يكون غرضه عليهالسلام أنهم اخترعوا قولا ليس قول أهل الخير ولا قول أهل الشر.
قوله : ولكني أقول لا يكون إلا بما شاء الله ، أقول : في أكثر النسخ الباء موجودة في كلام يونس دون كلامه عليهالسلام ، فالفرق بينهما بالباء إذ كلام يونس يدل على العلية والسببية واستقلال إرادة الله سبحانه ومشيته في فعل العبد ، فيوهم الجبر فلذا أسقط عليهالسلام الباء ، وقيل : كان غرض يونس من إدخال الباء بيان أن الله تعالى أعطى العبد القدرة والاختيار ، ثم هو فعل الفعل بما أعطاه الله وهو مستقل في الفعل ، فأراد عليهالسلام نفي التفويض فأسقط الباء ، وفي بعض النسخ بدون الباء فلا يعقل فرق إلا بنحو التقرير ، لكن في تفسير علي بن إبراهيم : ولكني أقول لا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر ، فقال : ليس هكذا يا يونس ، ولكن لا يكون إلا ما شاء الله وقدر وقضاء فيكون الاختلاف بينهما في الترتيب ، فإن القدر مقدم على القضاء كما في الأخبار ، فلذا غير عليهالسلام الترتيب ليكون الترتيب الذكري موافقا للترتيب الواقعي ، ولعل التوافق صدر من النساخ ثم ألحقوا الباء لحصول الاختلاف.