فقال الرجل فكيف سمينا ربنا سميعا فقال لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر لحظة العين وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك وموضع
______________________________________________________
جهة تجسمنا وإمكاننا ونقصنا ، وأيضا ليس علمنا من ذاتنا لعجزنا وعلمنا حادث لحدوثنا ، وليس علمنا محيطا بحقائق ما نسمعه كما هي ، لقصورنا عن الإحاطة ، وكل هذه نقائص شابت ذلك الكمال ، فلذا أثبتنا له سبحانه ما هو الكمال ، وهو أصل العلم ونفينا عنه جميع تلك الجهات التي هي سمات النقص والعجز ، ولما كان علمه سبحانه غير متصور لنا بالكنه ، ورأينا الجهل فينا نقصا فنفيناه عنه ، فكأنا لم نتصور من علمه تعالى إلا عدم الجهل ، فإثباتنا العلم له تعالى إنما يرجع إلى نفي الجهل ، لأنا لم نتصور علمه تعالى إلا بهذا الوجه ، وإذا وفيت في ذلك حق النظر وجدته نافيا لما يدعيه القائلون بالاشتراك اللفظي في الوجود وسائر الصفات لا مثبتا له ، وقد عرفت أن الأخبار الدالة على نفي التعطيل ينفي هذا القول.
قوله عليهالسلام : بالسمع المعقول في الرأس ، أي الذي نتعقله في الرأس ونحكم بأنه فيه ، واللطيف قد يكون بمعنى رقيق القوام أو عديم اللون من الأجسام أو صغير الجسم ، وفيه سبحانه لا يتصور هذه الأمور لكونها من لوازم الأجسام ، فقد يراد به التجرد مجازا أو بمعنى لطيف الصنعة أو العالم بلطائف الأمور كما فسر به في هذا الخبر.
وموضع النشو منها ، أي المواد التي جعلها في أبدانها وبها ينمو وموضع نمو كل عضو وقدر نموها بحيث لا يخرج عن التناسب الطبيعي بين الأعضاء ، والنشوء بالهمزة : النمو ، وربما يقرأ بكسر النون والواو خبرا بمعنى شم الريح ، جمع نشوة أي يعلم محل القوة الشامة منها ، وفي التوحيد : موضع الشبق أي شهوة الجماع ، وفي الاحتجاج : موضع المشي والعقل ، أي موضع قواها المدركة ، والحدب محركة التعطف ، ويمكن عطفه على موضع النشو وعلى النشو.