______________________________________________________
تقدم في الأمر ، قلت : علم أبو الحسن بالرطب والريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيى بن خالد؟ قال : نعم ، قلت : فأكله؟ قال : أنساه لينفذ فيه الحكم.
وعن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت : الإمام يعلم متى يموت؟ قال : نعم ، قلت : حيث ما بعث إليه يحيى بن خالد برطب وريحان مسمومين علم به؟ قال : نعم ، قلت : فأكله وهو يعلم فيكون معينا على نفسه؟ فقال : لا يعلم قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج إليه ، فإذا جاء الوقت ألقى الله على قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم.
وأقول : هذا الوجه وإن كان مؤيدا بالخبر لكنه مناف لظواهر أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب ، ويمكن أن يكون هذا لضعف عقول السائلين عن فهم ما هو الجواب في هذا الباب ، وفي بعض النسخ « حين » بالحاء المهملة والنون أخيرا قال الجوهري : حينه : جعل له وقتا ، يقال حينت الناقة إذا جعلت لها في كل يوم وليلة وقتا نحلبها فيه ، انتهى.
فالمعنى أنه كان بلغ الأجل المحتوم المقدر ، وكان لا يمكن الفرار منه ، ولعله أظهر الوجوه ، وحاصله أن من لا يعلم أسباب التقديرات الواقعية يمكنه الفرار عن المحذورات ويكلف به ، وأما من كان عالما بجميع الحوادث فكيف يكلف الفرار ، وإلا يلزم عدم وقوع شيء من التقديرات فيه ، بل هم عليهمالسلام غير مكلفين بالعمل بهذا العلم في أكثر التكاليف ، فإن النبي وأمير المؤمنين صلى الله عليهم كانا يعرفان المنافقين ويعلمان سوء عقائدهم ولم يكونا مكلفين بالاجتناب عنهم وترك معاشرتهم وعدم مناكحتهم أو قتلهم وطردهم ، ما لم يظهر منهم شيء يوجب ذلك وكذا علم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعدم الظفر بمعاوية وبقاء ملكه بعده لم يصر سببا لأن يترك قتاله ، بل كان يبذل في ذلك غاية جهده إلى أن استشهد صلوات الله عليه ، مع أنه كان يخبر بشهادته واستيلاء معاوية بعده على شيعته ، وكذا الحسين صلوات الله عليه كان عالما بغدر أهل العراق به وأنه يستشهد هناك مع أولاده وأقاربه وأصحابه ، ويخبر بذلك مرارا