فلما بعث الله عز وجل محمدا صلىاللهعليهوآله أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عز وجل وجاهد في سبيله ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال رب إن العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهمالسلام ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال الله جل ذكره « وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ » (١) « وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ
______________________________________________________
الكتب فيما عرف فأين صحف إبراهيم الذي أخبر الله عنها ، والغرض من هذا الكلام الرد على من زعم أن المراد بالمستحفظين لكتاب الله ، علماء اليهود الحافظين للتوراة ومن يحذو حذوهم في حفظ الألفاظ والقصص.
فبين عليهالسلام أن المراد بكتاب الله الاسم الأكبر المشتمل على كل ما في العالم من شيء الذي كتبه الرحمن بيده كما قال سبحانه : « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » (٢) وعن أمير المؤمنين عليهالسلام أن صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة وصحف إدريس ثلاثين ، وصحف شيث خمسين ، يعني ما كان يتلى من الاسم الأكبر على الناس.
وعن أبي ذر رضياللهعنه أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كان صحف إبراهيم؟ قال : اقرأ يا أبا ذر « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » إلى قوله : « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٣) يعني فيها أمثال هذه الكلمات.
« إن العرب قوم جفاة » أي بعداء عن الآداب والأخلاق الحسنة ، قال في المغرب : الجفاء هو الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق ، انتهى.
« ولا تخزن عليهم » أقول : هذه الآية بهذا الوجه ليست في المصاحف المشهورة ، إذ في سورة الحجر « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (٤) وفي سورة النحل : « وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ » (٥) وفي سورة الزخرف « فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ
__________________
(١) سورة النحل : ١٢٧.
(٢) سورة المجادلة : ٢٢.
(٣) سورة الأعلى : ١٩.
(٤) الآية : ٨٨.
(٥) الآية : ١٢٧.