ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكاءك قال نعم ذكرت إلياس النبي وكان من عباد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا والله ما رأينا قسا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه به ثم فسره لنا بالعربية فقال كان يقول في سجوده أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي
______________________________________________________
وأقول : في البصائر وغيره أن هذا الدعاء وهذه القصة لإلياس عليهالسلام ، وقال ـ الفيروزآبادي : اندفع في الحديث أفاض والفرس أسرع في سيره ، وقال : « القس » بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس ، وقال : « جاثليق » بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ثم المطران (١) تحت يده ، ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ، ثم القسيس ثم الشماس ، وهو الذي يحلق وسط رأسه لازما للبيعة ، انتهى.
ولهجة الرجل بفتح اللام وسكون الهاء وفتحها لغته التي جبل عليها واعتادها في التكلم ، وضمير « منه » له عليهالسلام و « به » للكلام ، ويقال : ظمئ بالهمزة كعلم إذا عطش أشد العطش ، وأظمأ غيره ، وفي القاموس : « الهاجرة » نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، لأن الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا من شدة الحر ، انتهى.
ونسبة الإظماء إلى الهواجر على الإسناد المجازي ، كقولهم : صام نهاره ، أو المفعول مقدر أي أظمأت نفسي وهواجري ، والأول أظهر وكذا القول في نسبة الإسهار إلى الليل ، وفي الصحاح : العفر بالتحريك التراب ، وعفره في التراب يعفره عفرا وعفره تعفيرا أي مرغه ، انتهى.
__________________
(١) المطران : رئيس الكهنة وهو فوق الأسقف ودون البطريق وهي مقتطعة من لفظة « ميتريبوليتس » اليونانية ومعناها المدينة الأم لأن كرسى المطران يكون عادة في مدينة أو قصبة.