وليه فأما السنة من ربه فكتمان سره قال الله عز وجل : « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » (١) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بمداراة الناس فقال « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ » (٢)
______________________________________________________
« عالِمُ الْغَيْبِ » قال الطبرسي (ره) : أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة « فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده ، ثم استثنى فقال : « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم ، ومعناه إلا من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة ، انتهى.
وقد مر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان والله محمد ممن ارتضاه ، وفي الخرائج عن الرضا عليهالسلام في قوله تعالى : « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » قال : فرسول الله عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وفي تفسير علي بن إبراهيم « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني عليا المرتضى من الرسول وهو منه.
ثم اعلم أن الاستشهاد بالآية الكريمة يدل على أن المراد بكتمان السر الكتمان من غير أهله ، وعمن لا يكتمه.
« خُذِ الْعَفْوَ » قال في المجمع : أي خذ يا محمد ما عفا من أموال الناس أي ما فضل من النفقة ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة ، فصار منسوخا بها ، وقيل : معناه خذ العفو من أخلاق الناس ، واقبل الميسور منها ، ومعناه أنه أمره بالتساهل وترك الاستقصاء في القضاء والاقتضاء ، وهذا يكون في الحقوق الواجبة لله وللناس وفي غيرها ، وقيل : هو العفو في قبول
__________________
(١) سورة الجنّ : ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) سورة الأعراف : ١٩٩.