بيان : العس بالضم القدح العظيم وأقول : روى مسلم في صحيحه (١) أن النبي صلىاللهعليهوآله أتي ليلة أسري به بإيليا بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبرئيل عليهالسلام الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك وقال بعض شراحه إيليا بالمد وقد يقصر بيت المقدس وفي الرواية محذوف تقديره أتي بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراد سبحانه من توفيق هذه الأمة.
وقول جبرئيل عليهالسلام أصبت الفطرة قيل في معناه أقوال المختار منها أن الله تعالى أعلم جبرئيل أن النبي صلىاللهعليهوآله إن اختار اللبن كان كذا وإن اختار الخمر كان كذا وأما الفطرة فالمراد بها هنا الإسلام والاستقامة ومعناه والله يعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة وجعل اللبن علامة ذلك لكونها سهلا طيبا طاهرا « سائِغاً لِلشَّارِبِينَ » سليم العاقبة وأما الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع الشر في الحال والمال انتهى.
وقال الطيبي للفطرة أي « الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » فإن منها الإعراض عما فيه غائلة وفساد كالخمر المخلة بالعقل الداعي إلى كل خير والرادع عن كل شر والميل إلى ما فيه نفع خال عن المضرة كاللبن انتهى.
أقول فعلى هذه الوجوه المعنى أن اللبن شيء مبارك كان اختيار النبي صلىاللهعليهوآله إياه علامة الفطرة فيكون إشارة إلى تلك القصة لعلم الراوي بها.
وأقول يحتمل هذا الخبر وجوها أخر.
__________________
(١) روى مسلم في صحيحه تحت الرقم ١٦٨ في حديث الاسراء : « .... فأتيت باناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر ، فقيل لي : خذ أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته فقال : هديت الفطرة ، أو أصبت الفطرة. أما انك لو أخذت الخمر غوت أمتك » ورواه أحمد في مسنده ٢٥ : ٢٨٢ والترمذي في تفسير سورة الإسراء تحت الرقم ٥١٣٧ بهذا اللفظ وما ذكره المؤلف العلامة في الصلب ونسبه الى مسلم انما يوجد في البخارى تحت الرقم ٢ و ١٢ من كتاب الاشربة وفي تفسير سورة بني إسرائيل بالرقم ٢.