قال [ أبوذر ] قلت : يا رسول الله الخائفون ، الخاضعون ، المتواضعون ، الذاكرون لله كثيراً أهم يسبقون الناس إلى الجنّة؟
قال : لا ولكن فقراء المسلمين ، فانّهم يتخطفون رقاب الناس فيقول لهم خزنة الجنة : كما أنتم حتى تحاسبوا ، فيقولون : بم نحاسب ، فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ، ولكنا عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا.
اعلم انّ الأحاديث في مدح الفقر والفقراء ومعاشرتهم وذمّ اهانتهم واذلالهم كثيرة ، ووردت أحاديث أيضاً في ذمّ الفقراء ، وكذلك في الأغنياء وردت أحاديث في مدحهم وأحاديث في ذمهم ، وجمع أكثر المحققين بين هذه الأحاديث بأنّ الفقر الممدوح هو الفقر إلى الله ، والفقر المذموم هو الفقر إلى الناس ، والغنى الممدوح هو غنى النفس ، والغنى المذموم هو الغنى بكثرة الأموال مع الحرص والطمع.
ويظهر من بعض الأحاديث انّ الفقر المذموم هو أن يكون الانسان قليل البضاعة في الدين ، وذلك انّ أيّ شيء خلقه الله تعالى في الدنيا وجعله بين الناس فهو لطف ورحمة ، وبما انّ العالم عالم تكليف واختيار فلكل شيء جهتان ، وخلق الله تعالى ذلك الشيء لجهة فيها الصلاح ، والناس يجعلونه وسيلة لجهة الشرّ.
كما في المال فإنّ الله تعالى جعله في الدنيا لتحصيل السعادة ، والقوّة على العبادة ، والوصول إلى الكمالات لمن تركه ، فلولاه لما كانت القوّة على العبادة ، ولما ترتب الثواب على الصدقات والخيرات ، ولما ترتب الثواب على تركه ،