وهنا التفاتة لطيفة وهو انّ من المستحيل استغناء الانسان بل كلّما ازداد غنىً ازداد احتياجاً ، فلذا لم يقل : لما استغنى ، بل قال : أن رآه استغنى ، أي زعم انّه استغنى.
وطلب الله العبادة لجعلها وسيلة للسعادة ، وقرّر المعاصي كي يصل الانسان إلى السعادة بتركها ، وربما جعل شخص العبادة وسيلة الشقاء وجعل المعصية وسيلة السعادة بتركها أو بالتوبة والندامة ان ارتكبها غفلة وجهلاً ، فيصل إلى أعلى مراتب الكمال ، ولولا خلق المعصية لا يؤجر الناس بتركها ويثابون ، وأنّي يكون العجز والانكسار من التائبين؟ ولولا ترك الأولى من آدم وداود وسائر الأنبياء عليهمالسلام فمن أين يحصل ذلك البكاء والنحيب الموجب للقرب والكمالات اللامتناهية؟
ولقد جاء في الأثر إنّكم إن لم تذنبوا ولم تقدروا على الذنب لخلق الله خلقاً آخر قادراً على الذنب كي يعصي ويذنب ، انّ الكلام هنا دقيق جداً والعقول قاصرة عن ادراك هذا المعنى على الأكثر.
لكن لو تفكّرت مليّاً لوجدت انّ كلّما خلقه الله في هذا العالم فهو لطف وخير وعين الصلاح للعباد ، لكن العباد يستعملونه في غير ما وضع له ، كما لو أعطى كريماً إلى رجل داراً كبيراً وجعل فيه كل ما يحتاج إليه وبنى له إلى جنب ذلك جبّاً ، فلو ترك هذا الرجل الدار المنيفة وجعل من الجبّ سكناً له فأيّ لوم على هذا الكريم؟
وعدم التفكر في هذه المسائل التي هي من فروع مسائل القضاء والقدر أفضل ، والعلم الاجمالي بانّ الله تعالى عليم حكيم لا يظلم ، وما يفعله عين الصواب والحكمة ، لأنّ التفكر في هذا الباب يوجب الزلل ، وانّ أكثر العقول لم