يأمرني الاّ بما أطيق ، فمشى إليه ليأكله ، فلمّا دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة ، فأكلها فوجدها أطيب شيء أكله.
ثم مضى فوجد طشتاً من ذهب ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أكتم هذا ، فحفر له وجعله فيه وألقى عليه التراب ، ثم مضى فالتفت فاذا الطشت قد ظهر ، فقال : قد فعلت ما أمرني ربيّ عزّوجلّ.
فمضى فاذا هو بطير وخلفه بازيّ فطاف الطير حوله ، فقال : أمرني ربّي عزّوجلّ أن أقبل هذا ، ففتح كمّه فدخل الطير فيه ، فقال له البازيّ : أخذت منّي صيدي وأنا خلفه منذ أيام ، فقال : أمرني ربي عزّوجلّ أن لا أويس هذا ، فقطع من فخذه قطعة فالقاها إليه ثم مضى ، فلمّا مضى فاذا هو بلحم ميتة منتن مدود ، فقال : أمرني ربي عزّ وجلّ أن أهرب من هذا ، فهرب منه.
فرجع فرأى في المنام كأنّه قد قيل له : انّك قد فعلت ما أمرت به فهل تدري ماذا كان؟ قال : لا ، قيل له : أمّا الجبل فهو الغضب ، انّ العبد اذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب ، فاذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكّن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها.
وأمّا الطشت فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزّوجلّ الاّ أن يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة ، وأمّا الطير فهو الرجل الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته ، وأمّا البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه ، وأمّا اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها (١).
عزيزي ، لو أردت العلم بفضل الحلم وكظم الغيظ فانظر إلى أحوال انبياء
__________________
١ ـ البحار ٧١ : ٤١٨ ح ٤٧ باب ٩٣ ـ عن الخصال : ٢٦٧ ح ٢ باب ٥.