قال له : يا بنيّ اجعل عليّ بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمرك.
فلمّا اختمر العجين قالت : يا عبدالله اسجر التنور ، فبادر لسجره ، فلمّا أشعله ولفح في وجهه جعل يقول : ذق يا عليّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى ، فرأته امرأة تعرفه فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين ، قال : فبادرت المرأة وهي تقول : واحيائي منك يا أمير المؤمنين ، فقال : بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك (١).
وروي أيضاً انّه دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية فقال له : صف لي عليّا فقال : أو تعفني من ذلك ، فقال : لا أعفيك.
فقال : كان والله بعيد المدى (٢) ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته.
كان والله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّيه ويخاطب نفسه ، ويناجي ربّه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله فينا كأحدنا ، يدنينا اذا أتيناه ، ويجيبنا اذا سألناه.
وكان مع دنوّه منّا وقربنا معه لا نكلّمه لهيبته ، ولا نرفع عيننا لعظمته ، فان تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الفقير من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت
__________________
١ ـ البحار ٤١ : ٥٢ ضمن حديث ٣ باب ١٠٤ ـ عن مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١١٥ فصل في حلمه وشفقته.
٢ ـ بعيد المدى : المدى الغاية وهو كناية عن علوّ همته في تحصيل الكمالات ، أو عن رفعة محلّه في السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شيء من فضائله ( البحار ).