نجومه وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا دنيّة أبي تعرّضت؟ أم اليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات غريّ غيري لا حاجة لي فيك ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ، وعظم المورد.
فوكفت (١) دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمّه ، واختنق القوم بالبكاء ، ثم قال : كان والله أبو الحسن كذلك ، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال : صبر من ذبح ولدها على صدرها ، فهي لا ترقى عبرتها ولا تسكن حسرتها ، ثم قام وخرج وهو باك ... (٢).
وروي بسند معتبر عن أبي ذر انّه قال : ... أهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم ، فلمّا قدمنا المدينة أهداها لعليّ عليهالسلام تخدمه ، فجعلها عليّ في منزل فاطمة ، فدخلت فاطمة عليهاالسلام يوماً فنظرت إلى رأس عليّ عليهالسلام في حجر الجارية ، فقالت : يا أبا الحسن فعلتها ، فقال : لا والله يا بنت محمد ما فعلت شيئاً فما الذي تريدين؟ قالت : تأذن لي في المصير إلى منزل أبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال لها : قد أذنت لك.
فتجلّلت بجلالها ، وتبرقعت ببرقعها ، وأرادت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهبط جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد انّ الله يقرئك السلام ويقول لك : انّ هذه فاطمة قد اقبلت تشكو عليّاً فلا تقبل منها في عليّ شيئاً.
__________________
١ ـ وكفت : أي سالت.
٢ ـ البحار ٤١ : ١٢٠ ح ٢٨ باب ١٠٧ ـ عن ارشاد القلوب.