أكثر المعاصي الحاصلة من الوثوق بالمخلوقين والرجاء منهم ، ولا يختار حينئذٍ المعاصي لرضاهم ولا يداهن في الدين ، وتكون له جرأة لاجراء أحكام الله تعالى ، ولا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من ذهاب نفع عنه من قبل المخلوق ، ولا يغيّر أحكام الله لرضاهم.
واذا علم انّ الرزق من الله فلا يرتكب الحرام لتحصيله ، ولا يذلّ نفسه عند الخلق بالسؤال ، وهكذا رويداً رويداً يعظم الله في نفسه ويصغر المخلوق في عينه ، وبما انّه يرى أن المعطي هو الله تعالى فلذا يزداد حبّاً له بكلّ نعمة أنعمها عليه ، وفوائد هذه الخصلة لا نهاية لها.
واذا رضى بقضاء الله وعلم انّ هذه الأمور من قبله وهي خير محض له ، فيطمئن ولا يجزع من البلاء بل يصبر ويكون من الشاكرين ، ولا تشغله الآلام ، ولا تحجزه عن العبادة ، ولا يعادي الناس لعدم إعطائهم شيئاً له ، ولا يفتتن بمحبة الناس ، ولا ينسى الله اذا أعطي ، ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله ، ولا ينازع ولا يجادل في أمور الدنيا ، ويحبّ الجميع في الله ، ويعبد الله خالصاً ، ولا يتبرّم من تغيّر أحوال الزمان.
ولقد سئل بهلول ما حالك؟ قال : كيف يكون حال من تدور السماوات برضاه ، وتسكن الأرض برضاه ، وكلّ ما وقع في السماوات والأرضين فبرضاه واجازته ، قالوا : ما أعظم ادعاؤك؟ قال : لقد علمت من اليوم الأول انّ ما يفعله الله القادر الحكيم انّما هو خير وصلاح فلذا وافقت رضاي برضاه ، وأوكلت أموري إليه ، وجعلت ارادتي ارادته ، فكلّ ما يحدث انّما هو برضاي.
ولهذه الخصلة أيضاً فوائد غير متناهية ، لأن عند انقيادك إلى أحكام الله