تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (١).
والأمّة الوسط هنا : هم أئمّة أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، الذين خصّهم الله تعالى في الدنيا بهداية الناس وإرشادهم ، والسلوك بهم سبيل الرشاد ، وأعطاهم في الآخرة مقام الشهادة على الناس ، وشهادة الرسول صلىاللهعليهوآله عليهم بما استرعاهم من مقاليد الأمّة.
وفهمت أنّ للوسائط التي جعلها الله تعالى بينه وبين خلقه منازل ومراتب ، تقتضيها كلّ مرحلة من مراحل التبليغ عنه ، فاصطفى من خلقه أنبياء ، وجعل منهم رسلاً ، وحمّلهم شرائعه إلى الناس ، وخصّهم بالإمامة ، وأذن لهم في أنْ يكونوا قدوة ظاهرين ، وحكّاماً بتعاليمه ، وكانت الوصية في نقل ذلك وإمراره بين الصفوة واجباً لم يهمله أحد منهم ، قال تعالى : ( وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (٢). واستلزمت الوصية في أنْ يكون هناك من يقوم مقام الرسل في إمامة الناس وقيادتهم إلى توفيق الطاعة ، وبناء المجتمع الواعي بدوره وتكليفه ، والوصول بالإنسان إلى مرتبة التوحيد الصحيح والعبوديّة الحقّة ، والبلوغ به إلى مستوى خليفة الله في الأرض ، وضمير الهاء في الآية عائد إلى الإمامة التي تقلّدها إبراهيم عليهالسلام بأمر واختيار من الله تعالى ، فهي أولى المسائل التي تستلزم الوصية. قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٣). وحدّدت الآية أنّ علوم الرسل عليهمالسلام ، لا تكون إلّا في الصفوة من الخلق ، تلك الفئة التي تعتبر امتداداً لحركتهم ، ومن نفس معدنهم
_________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) البقرة : ١٣٢.
(٣) فاطر : ٣٢.