رغبتهم وحدهم ، ويختارون بأنفسهم بعد موته ، طالما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يختر في حياته أحداً ؟ ولماذا تحسّر عمر على فقد صاحب السقيفة الثالث ، أبو عبيدة بن الجراح ، ولو بقيَ حيّا لولّاه ؟ (١) ولماذا تحسّر بعد ذلك على فقد سالم مولى أبي حذيفة ، الذي كان الساعي لهم بالأخبار من داخل المدينة ، ولو كان حيّاً لولّاه ؟ (٢) ولماذا ضيّق عمر الشورى إلى ستّة أشخاص ، وجعل عبد الرحمان بن عوف الفيصل في اختيار الخليفة ؟ (٣)
قال : كلّ ذلك أوجده الحرص على سلامة الدولة الفتيّة من أطماع الأعداء ، وكانت تلك اجتهادات مأجورة من قبل أناس هم أهل للاجتهاد.
قلت : فهل كان هؤلاء أحرص من النبيّ صلىاللهعليهوآله ؟
قال : بل إنّ اجتهادهم هو نابع من التربيّة التي ربّاهم عليها النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قلت : وهل يوجد تصوّر آخر لنظام الحكم في الإسلام بخلاف هذا التصوّر ؟
قال : يوجد تصوّر آخر خلاف ما نعتقده نحن أهل السنّة والجماعة ، وهو عقيدة الشيعة في النصّ على إمامة عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه والأئمّة من ولده ، وهؤلاء يبنون تصوّرهم على نصوص رأوا فيها بيانا واضحاً يؤكّد عندهم على إمامة أهل البيت رضي الله عنهم.
قلت : وهل انفردت تلك الطائفة بنصوصها وبتأويل تلك النصوص ؟
قال : لا ، فكلّ ما استدلّوا به من نصوص موجودة عندنا ، وهي مدوّنة في أُمّهات كتبنا المعتمدة ، أكثرها صحيح من طرقنا ، وأسانيد رواتنا.
_________________
(١ و ٢) انظر تاريخ المدينة لابن شبة ٣ : ٩٢٢ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٩٢ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٦٥.
(٣) انظر على سبيل المثال تاريخ الطبري ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٦٥ ـ ٦٦ والمسألة محلّ إجماع لا خلاف فيها.