الكتاتيب ، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله » (١).
الكذب كما نعرف جميعا ، أسلوب بذيء قذر وخسيس ، حذّر منه النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله وشدّد على خطورته ، معتبراً أنّ المؤمن لا يكذب أبداً ، وإنّما هي ظاهرة كامنة في فئة المنافقين ، الذين ليس لهم همّ يحملونه غير قلب الحقائق ، وباعتبار أنّ المؤمن لا يكذب كما صرّح بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقد حكم الكاذب على نفسه بنفسه ، ونقلها من حالة الإيمان المرجو ، إلى مرض النفاق الذي لا دواء منه.
هالني الأمر ، وصدمت منه صدمةً شديدةً ، ليس ممّا اقترفه معاوية وحزبه من طلقاء بني أميّة ، فأولئك لا يجهل حالهم إلّا من كان مثلهم ، ولكن صدمتي جاءت من الأمّة ، التي انساقت وراء باطل صنعه أعداءها ، ومضت على السكوت عليه وقبوله ، وشخصُ النبيّ صلىاللهعليهوآله ما زال عالقاً في أذهان من بقي من الصحابة في ذلك العصر ، وصوته المبارك ما زال يتردّد صداه في آذانهم وحوافظهم. فأين هؤلاء في تلك الفترة ؟ ولماذا لم يفعلوا مثل ما فعل عمّار بن ياسر ، عندما قاتل معاوية وهو ابن تسعين سنة ، إلى أن استشهد ؟ أين أبناءهم الذين يفترض أنّهم تربّوا على أيد لامست براهين الوحي ، وعانقت قيم الدين الحنيف بدون واسطة ؟ أين التابعون لهم الذين عايشوا الظلم والظالمين ، وركُن من ركُن منهم إليه ، وسكت من سكت عنه ؟ لماذا ركنوا إلى زيف معاوية ؟ ولماذا سكتوا على ظلمه ؟ ولماذا نصروا باطله ولم يحاربوه ؟ لماذا تزلّف منهم متزلّف لمعاوية ؟ ولماذا وصل الأمر بعبيد الله بن عمر إلى أنْ قُتل في صفّ الذين أخبر عنهم النبي صلىاللهعليهوآله بأنّهم بغاة على
_________________
(١) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٤.