فاذا كان ذلك الزمان انتفخت الاهلة تارة حتى يرى هلال ليلتين وخفيت تارة حتى يفطر شهر رمضان في أوله ، ويصام العيد في آخره (١) فالحذر الحذر حينئذ من أخذ الله على غفلة ، فان من وراء ذلك موت ذريع يختطف الناس اختطافا حتى أن الرجل ليصبح سالما ويمسي دفينا ، ويمسي حيا ويصبح ميتا.
__________________
(١) ولا بأس أن نشير ههنا عند ختام البحث إلى بعض ما لعله ينفع في المقام فنقول : قال الله عزوجل : « يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس والحج » : سئل عن الاهلة وهى جمع هلال ( وهو القوس المنير من القمر لاول ليلة يبدو بعد المحاق ) فأجاب بأنها مواقيت اى كل هلال ميقات واجل ينذر بانتهاء الشهر الجارى. وانما قال : « للناس والحج » ليشمل مصالح الدنيا والدين : فبما خلقهم مفطورين على الاجتماع والتمدن جعل لهم الاهلة لتقويم حقوقهم المدنية وهو الخلاق العليم ، وبما انزل عليهم الكتاب وكلفهم العبادات وأهمها فريضة الحج ، جعل لهم الاهلة لتقويم وظائفهم الشرعية ، ذلك تقدير العزيز العليم ، هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق.
فالاهلة مواقيت طبيعية وتقويم فطرى يعرفه كل بيئة ومجتمع ، اذا طالعوا صفحة الافق واستهلوا لرؤية الهلال ، بخلاف تقويم المنجمين ومواقيتهم الاعتبارية ، فانها مع اختلاف أرصادهم ومبانيهم مختص بهم ، لايعرف الامن قبلهم ، فلو استغنى الناس عن التقويم الالهى الفطرى بمعرفة فروردين ارديبهشت كالاعاجم ، وتشرين الاول والثانى كالروم وغير ذلك من الشهور والسنين الاعتبارية ، فلا مندوحة للمؤمنين بالدين الفطرى ـ وهو الاسلام ـ عن أن يكون عبرتهم بالتقويم الفطرى وهو معرفة الاهلة.
لكن المسلم في الفطرة أن المدار على الهلال الواقعى الثابت في الافق وأن الشهور يتحقق بتحقق الاهلة ، لابتحقق الرؤية ، ولذلك ترى الناس يستهلون في الليلة التى يشك فيها : وهى ليلة الثلاثين. ولا يستهلون في ليلة التاسعة والعشرين قبلها ولا في ليلة الحادية والثلاثين بعدها ، فان المعلوم من سنة الله وتقدير منازل القمر ، أنه لا يكون شهر أقل من تسعة وعشرين ولا أزيد من ثلاثين. وليس ذلك الا لان المدار على ثبوت الهلال واقعا