أبا القاسم قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و ( آله ) وسلم : فان أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا ذلك فقال : إني أنابذكم فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا ، وأن نؤدي اليك في كل سنة الفي حلة ، الف في صفر والف في رجب ( قال : وزاد في رواية ) وثلاثاً وثلاثين درعاً عادية وثلاثاً وثلاثين بعيراً وأربعاً وثلاثين فرساً غازية فصالحهم رسول الله صلى الله عليه و ( آله ) وسلم على ذلك ، وقال : والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي ناراً ولأستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، وما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا ( قال ) أخرجه الخارن وغيره .
[ أقول ]
قال الزمخشري بعد نقل القصة ما لفظه : فإن قلت : ما كان دعاؤه الى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الأبناء والنساء ؟ قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله ، واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده ، وأحب الناس اليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة وخص الأبناء والنساء ، لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق ، وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها ( قال ) وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله