حجة له في يوم ما أتى عليه ولا على أصحابه أشد حراً منه ـ كما سبق في بعض روايات الحاكم عن زيد بن أرقم ـ ووقوفه للناس حتى رد من سبقه ولحقه من تخلف ـ كما سبق في بعض روايات النسائي عن سعد ـ حتى اجتمع اليه الناس جميعاً ، وأمر بدوحات عظام فكنس تحتهن ، ورش وظلل له بثوب ـ كما في أغلب روايات زيد ـ ثم عمم علياً عليه السلام بما يعتم به الملائكة ـ كما مر عليك آنفاً أخباره في باب مستقل ـ ثم أخذ بيد علي عليه السلام ـ بعدما خطب الناس ونبههم بقرب موته ودنو أجله ـ حتى رفع علياً عليه السلام ونظر الراوي إلى آباطهما ـ كما سبق في بعض روايات ابن حجر في الأصابة عن حبة بن جوين ـ ثم نزل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية ، بل ونزل قبله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) ـ كما عرفتهما في بابهما آنفاً ـ لرأينا أن ذلك كله ليس إلا وصية واستخلافاً من النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وأنه كان بصدد تعيين الإِمام من بعده وتفهيم الناس أن المقتدى لهم علي عليه السلام لا أن من كنت محبه أو ناصره فعليٌ محبه وناصره .
( ومما )
يؤكد ذلك أيضاً قول أبي بكر وعمر لعلي عليه السلام ـ بعدما سمعا قول النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ، أو قول عمر : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، أو هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ـ فإن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لو لم يكن قد انشأ وأوجد بفعله وقوله
ذلك لعلي عليه السلام منصباً جديداً لم يكن ثابتاً له من قبل لما قالا له أمسيت ـ
أو أصبحت ـ مولى كل مؤمن ومؤمنة ونحو ذلك ، فإن مثل هذا التعبير لا يقال إلا عند حصول منصب جديد حادث ، وإلا فعلي عليه السلام كان محباً لمن كان النبي « ص » محباً له ، أو ناصراً لمن كان النبي « ص » ناصراً له من قبل هذا ، وهذا كله واضح لا يحتاج الى مزيد بيان ، ( كما ) إن انكار الحارث بن النعمان الفهري على النبي « ص » بقوله : « إنك أمرتنا بكذا وكذا فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا » ، ايضاً مما يؤكد ان النبي « ص » قد استخلف علياً بفعله وقوله ذلك ، وعيّنه إماماً للناس من بعده فضاق بذلك