كتاب : اختلاف أصول المذاهب
قال القاضي النعمان في مفتتح كتابه هذا ـ بعد الحمد والصلاة ـ : أمّا بعد ، فإنّي رأيت أهل القبلة بعد اتّفاقهم على ظاهر نصّ القرآن ، وتصديق الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد اختلفوا في الفتوى في كثير من الفروع ، وفي بعض الأصول ، وفي وجوه كثيرة من التأويل ، وذهبوا في ذلك مذاهب ، وتفرّقوا فرقاً ، وتحزّبوا أحزاباً ، بعد أن سمعوا قول الله تعالى وتلوه : ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) (١) وقوله : ... ، فذمّ جلّ ثناؤه التفريق والاختلاف ، ودعا إلى الاجتماع والائتلاف ، وأمر بذلك ، وحضّ عليه في إقامة الدين ، ونهى عن التفريق فيه ، وقد رأيت ، وبالله أستعين ، وعليه أتوكّل ، وعلى تأييد وليّه وإرشاده ومواده أعوّل ، وإيّاه لفاقتي أسترشد وأستعد ، ومن زواخر بحره أغترف واستمد ، بأن أبسط في هذا الكتاب ، وأبدأ فيه بعلّة اختلافهم ، والذي دعاهم إليه وحملهم عليه ، وسببهم فيه ، وأتلوه بذكر جملة أقوالهم ، وما أحلّوه لنفسهم ، وبيان فساده عليهم ، وأشفعه بذكر أهل الحقّ فيما اختلفوا فيه ، وإيضاحه وبيانه ، والشواهد له ، والدلائل عليه ، ثُمّ أذكر بعد ذلك قول كُلّ فرقة واحتجاجها بما قالته ، والرد عليه فيما فارقت فيه الحق في ذلك بحسب ما أخذناه عن أئمّتنا عليهم الصلاة والسلام (٢).
____________
١ ـ سورة الشورى : ١٣.
٢ ـ اختلاف أصول المذاهب : ٢٩ ـ ٣٠.