فلمّا أتت على مسلم سنين وقد مات أبوه عقيل وجاء إلى الشام وقال لمعاوية : إنّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة (١) ، وقد اُعطيت بها مائة ألف ، وقد احببت أن ابيعك إياها فادفع لي ثمنها ؛ فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه ، فبلغ ذلك الحسين عليهالسلام فكتب إلى معاوية : «أمّا بعد فإنك أغررت غلاماً من هاشم فابتعت منه أرضاً لا يملكها فاقبض منه ما دفعته إليه واردد الينا أرضنا».
فبعث معاوية إلى مسلم فأقراه كتاب الحسين عليهالسلام وقال له : اردد علينا مالنا وخذ أرضك ، فإنّك بعت مالا تملك. فقال مسلم : أمّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستقلى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه الأرض ويقول له : يا بني هذا والله ما قاله أبوك حين ابتاع اُمّك. ثم كتب إلى الحسين أن قد رددت أرضكم وسوّغت مسلماً ما أخذ (٢).
قال أهل السير : كان مسلم بن عقيل فارساً شجاعاً ، شهد مع عمّه أمير المؤمنين عليهالسلام «صفين» ، وكان من القواد الذين جعلهم أمير المؤمنين عليهالسلام على الميمنة «يوم صفين» (٣) ، كان يوم بعثه الحسين عليهالسلام إلى الكوفة قد ذرف على الأربعين.
وروى أبو مخنف وغيره ، أنّ أهل الكوفة لمّا كتبوا الى الحسين عليهالسلام دعا مسلماً وسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله وجماعة من الرسل ، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف ، فإن رأي الناس مجتمعين
__________________
(١) وهي البغيبغة ، وفيها عين ماء وهي للحسين ، فباع مسلم قسم منها على معاوية وهي التي أراد الحسين عليهالسلام أن يعطيها لابن سعد عوض ملك الري الذي حرمه الله منه. انظر :
(٢) شرح نهج البلاغة : ٣ / ٨٢ طبعة مصر.
(٣) المناقب : ٢ / ٢٦٠.