والموطن الثاني : وذلك لمّا ورد الحسين عليهالسلام زبالة أخرج كتاباً لأصحابه فقرأه عليهم ، وفيه : «أمّا بعد ... فقد أتانا خبر فضيع بأنّه قتل مسلم بن عقيل وهاني ابن عروة وعبدالله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الإنصراف فالينصرف فليس عليه منّا ذمام». قال : فتفرّق الناس عنه يميناً وشمالاً إلّا صفوته.
وروي في خبر آخر ، إنّه لقيه رجل من شيعة أبيه في زبالة فسلّم عليه ، فردّ السلام عليه عليهالسلام فقال له : يابن رسول الله كيف تركن لأهل الكوفة وهم الذين قتلوا بن عمّك مسلم بن عقيل؟! قال : فاستعبر الحسين عليهالسلام باكياً ، وقال : رحم الله مسلماً فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، ألا إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول :
فإن تكن الدّنيا تعدّ نفيسة |
|
فإنّ ثواب الله أعلى وأنبل |
وإن تكن الأبدان للموت أنشأت |
|
فقتل امرء بالسيف في الله أفضل |
وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً |
|
فقلّة حرص المرء في الرّزق أجمل |
وإن تكن الأموال للترك جمعها |
|
فما بال متروك به المرء يبخل |
ثم قال : «اللّهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ، إنك على كلّ شيء قدير».
والموطن الثالث : يروى أيضاً عن زهير بن القين البجلي قال : بينا نحن جلوس في زرود إذ طلع علينا رجل من جهة الكوفة ، وبيده لواء أسود فركزّ اللواء بباب خيمتي ، ثم دخل وقال : السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ، فقلت له : من تريد؟ قال : الحسين بن علي بن إبي طالب. فقال له الناس : وما تريد منه؟ قال : أريد أن أعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل ، قال : فأشاروا له على خيمة الحسين. قال : فقام الرجل وأقبل الى الخيام فرأى حول الخيام أطفالاً يلعبون ، فقال للأطفال : من يدلّني على خيمة الحسين؟ فقامت إليه بنت صغيرة وقالت : يا هذا