عيلنا أمرنا ... ثم دنى منه وهو يريد قبضه فولى منهزماً وأخبر إسحاق بذلك ، فقال اللعين : إعترضوهم وآتوني بهم وإن أبوا فقاتلوهم.
فلما تعرضوا لهم وصاحوا بهم إن إسحاق بن حوية لا يرضى بحملكم الماء ، فلم يلتفتوا ، فصاحوا بهم ثانية إنّ فيه إراقة دمائكم ، فقال برير : إراقة الدماء أشهى إلينا من إراقة الماء ، والله ماذاق منا أحد طعم فراتكم وإنّما همتنا أن نروي أكباد أطفال الحسين ، والله لا ندع الماء حتى تراق دماؤنا حول هذه القربة.
فقال أحدهم : إنّ هؤلاء مستميتون على يسير من الماء ولا يجدي لهم نفعاً؟ وقال بعضهم : لا تخالفوا حكم الأمير ... ثم أحاطوا بهم فوضع برير وأصحابه القربة على الأرض ووقفوا دونها ، وبرير يبكي دونها ويقول : وا لهفتاه على أكباد الفاطمياة ، صدّ الله رحمته عمّن صدّ عنكم ياآل بيت رسول الله.
قالت : فحملها رجل منهم على عاتقه فأحسوا الحرس فجعلوا يرشقونهم بالسهام فأصاب حبل القربة سهم حتى خاطه الى عاتقه وسال الدم على ثوبه ، فلمّا نظر إلى الدم يسيل من رقبته قال : الحمدلله الذي جعل رقبتي وقاء لقربتي. فلمّا رأى برير إنّ القوم غير تاركيه صاح بأعلى صوته : ويلكم يا أعواه آل أبي سفيان لا تثيروا الفتنة ودعوا أسياف بني همدان في مغامدها ـ وكان حول الحسين عليهالسلام جماعة ـ فقال رجل منهم : إني أسمع صوت برير ينتدب أصحابه تارة ويعضّ القوم اُخرى ، فقال لهم الحسين عليهالسلام : إلحقوا به ، فقام أبو الفضل العباس وتبعه بعضهم وركبوا ، فلمّا رأوا الحرس إنّ العباس انحدر نحوهم انكشفوا عن برير وأصحابه.
قالت : وجاء برير بالقربة حتى دنا من الخيمة وقال : إشربوا يا آل بيت رسول الله ، فتباشرت الأطفال بالماء وصحن الفتيات صيحة واحدة : هذا برير قد جاءنا بالماء ، ورمين بأنفسهنّ على القربة هذه تحضنها والاُخرى تضع فؤادها