وأما المؤمن الموقن بصحة النبوة وحرمة القتل فلا عذر له ، إذ هو يعلم أن المؤمن أخ له ونصير ، فكيف يعمد بعد هذا إلى الاستهانة بأمر الله وحكمه وتوهين أمر دينه بهدم أركان قوته ، ومن ثم يهن المسلمون ويضعفون ويكون بأسهم بينهم شديدا.
وإنك لترى أنه ما انحلت الرابطة بين المسلمين وانفصمت عروة الوفاق بينهم إلا بعد أن أقدم بعضهم على سفك دماء بعض ورجحوا شهوة الغضب والانتقام على أمر الله تعالى ، ومن رجح شهوات نفسه الضارة على أمر الله وعلى مصلحة المؤمنين بغير شبهة فهو جدير بالخلود فى النار والغضب واللعنة ، إذ هؤلاء قد تجرءوا على حدود دينه ولم يبق للشرع حرمة فى قلوبهم.
قال فى الكشاف : هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد ، والإبراق والإرعاد ، أمر عظيم ، وخطب جليل ، ومن ثم روى عن ابن عباس أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة ... والعجب من قوم يقرءون هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث (الأحاديث التي تقدم ذكرها) وقول ابن عباس بمنع التوبة ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل إليهم منالهم أن يطمعوا فى العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟» اه.
٢) يرى فريق آخر أن المراد بالخلود المكث الطويل لا الدوام لتظاهر النصوص القاطعة بأن عصاة المؤمنين لا يدوم عذابهم ، وما فى الآية إخبار من الله بأن جزاءه ذلك لا بأنه يجزيه ذلك كما جاء فى قوله عز اسمه «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» فإنه لو كان المراد منها أنه سبحانه يجزى كل سيئة بمثلها لعارضه قوله جل شأنه «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» ومن ثم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا أنه قال هو جزاؤه إن جازاه ، وبهذا قال جمع من العلماء وقالوا هو كما يقول الإنسان لمن يزجره عن أمر : إن فعلت فجزاؤك القتل والضرب ، وهو إن لم يجازه لم يكن كذابا ، وقد روى عن ابن عباس جواز المغفرة بلا توبة أيضا ، وقال فى الآية هى جزاؤه ، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له.