(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي يا هؤلاء أنتم جادلتم عنهم وحاولتم تبرئتهم فى الحياة الدنيا ، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ، يوم يكون الخصم والحاكم هو الله تعالى المحيط بأعمالهم وأحوالهم وأحوال الخلق كافة؟ أي فلا يمكن أن يجادل هناك أحد عنهم ولا أن يكون وكيلا بالخصومة لهم ، فعلى المؤمنين أن يراقبوا الله تعالى فى مثل ذلك ولا يظنوا أن من أمكنه أن ينال الفوز والحكم له وأخذه من قضاة الدنيا بغير حق ، يمكنه أن يظفر به فى الآخرة «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ».
فى الآية إيماء إلى أن حكم الحاكم فى الدنيا لا يجيز للمحكوم له أن يأخذ به إذا علم أنه حكم له بغير حقه ، كما أن فيها توبيخا وتقريعا لأولئك الذين أرادوا مساعدة بنى أبيرق على اليهودي.
ثم رغب فى التوبة من الذنوب وحث عليها فقال :
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) أي ومن يعمل قبيحا يسوء به غيره ، أو يظلم نفسه بفعل معصية تختص به كالحلف الكاذب يجد الله غفارا لذنوبه ، رحيما متفضلا عليه بالعفو والمغفرة.
وفى ذلك حث وترغيب لطعمة وقومه فى التوبة والاستغفار ، كما أن فيها بيانا للمخرج من الذنب بعد وقوعه ، وفيها تحذير من أعداء الحق والعدل الذين يحاولون هدمهما ، وهما أسس الشرائع.
والمراد بوجدان الله غفورا رحيما : هو أن التائب المستغفر يجد أثر المغفرة فى نفسه بكراهة الذنب وذهاب داعيته ويجد أثر الرحمة بالرغبة فى الأعمال الصالحة التي تطهر النفس وتزيل الدّرن منها.
ثم حذر من فعل الذنوب والآثام وذكر عظيم ضرها فقال :
(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) أي ومن يعمل الإثم وير أنه قد كسبه وانتفع به فإنما كسبه وبال على نفسه وضرر لا نفع له فيه ، كما يخطر على بال من يجهل عواقب الآثام فى الدنيا والآخرة ، من فضيحة للآثم ومهانة له بين الناس وعند الحاكم