العادل كما وقع لأصحاب هذه القصة الذين نزلت فى شأنهم هذه الآيات ، ومن خزى فى الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي إنه تعالى بعلمه الواسع حدد للناس شرائع يضرهم تجاوزها ، وبحكمته جعل لها عقابا يضر المتجاوز لها ، فهو إذا يضر نفسه ولا يضر الله شيئا.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أي ومن يكسب ذنبا خطأ بلا تعمد أو إثما يصدر عنه مع ملاحظة أنه ذنب ثم يبرئ نفسه وينسبه إلى برىء ويزعم أنه هو الذي كسبه فقد كلف نفسه وزر البهتان بافترائه على البريء واتهامه إياه.
وقد فشا هذا بين المسلمين فى هذا الزمان ، ولم يكن لهذا من سبب إلا ترك هداية الدين وقلة الوازع النفسي والغفلة عن الأوامر والنواهي التي جاءت بها الشريعة.
وبعد أن ذكر المختانين أنفسهم ومحاولتهم زحزحة الرسول صلوات الله عليه عن الحق ، بين فضله ونعمته عليه فقال :
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) أي إنه تعالى بفضله ورحمته عليك صرف نفوس الأشرار عن الطمع فى إضلالك والهمّ بذلك ، لأنه إذا توجهت همتهم إلى التلبيس على شخص ومحاولة صرفه عن الحق ، احتاج إلى طائفة من الوقت لمقاومتهم وكشف حيلهم وتمييز تلبيسهم حتى تمحص الحقائق وينجلى الرشد من الغىّ ، فيضيع وقت هو فى أشد الحاجة إليه لصرفه فى عمل نافع ، ومن ثم تفضل على نبيه صلى الله عليه وسلم ورحمه بصرف كيد الأشرار عنه وزحزحته عن صراط الله الذي أقامه عليه.
والخلاصة ـ إنه لولا فضل الله عليك بالنبوة والتأييد بالعصمة ورحمته لك ببيان حقيقة الواقع لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن الحكم العادل المنطبق على حقيقة القضية فى نفسها ، ولكنهم قبل أن يطمعوا فى ذلك ويهموا به جاءك الوحى ببيان الحق وإقامة أركان العدل والمساواة فيه بين جميع الخلق.