فالمعنى هنا أن ما فى قلوبهم من الكفر والحقد والكيد وتربص الدوائر بالمؤمنين بلغ من الفظاعة مقدارا لا يحيط به إلا من يعلم السر وأخفى.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) طلب إليه سبحانه أن يعاملهم بثلاثة أشياء.
١) الإعراض عنهم وعدم الإقبال عليهم بالبشاشة والتكريم ، إذ هذا يحدث فى نفوسهم الهواجس والخوف من سوء العاقبة ، وهم لم يكونوا على يقين من أسباب كفرهم ونفاقهم ، وكانوا يحذرون أن تنزل عليه سورة تنبئهم بما فى قلوبهم ، وإذا استمر هذا الإعراض عنهم ظنوا الظنون ، وقالوا لعله عرف ما فى نفوسنا ، لعله يريد أن يؤاخذنا بما فى بواطننا.
٢) النصح والتذكير بالخير على وجه ترقّ له قلوبهم ويبعثهم على التأمل فيما يلقى إليهم من العظات والزواجر.
٣) القول البليغ المؤثر فى النفس الذي يغتمون به ويستشعرون منه الخوف بأن يتوعدهم بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق ، ويخبرهم بأن ما فى نفوسهم من مكنونات الشر والنفاق غير خاف على العليم بالسر والنجوى ، وأنه لا فرق بينهم وبين الكفار ، وإنما رفع الله عنهم السيف لأنهم أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر وأضمروه ، فإن فعلوا ما ينكشف به غطاؤهم لم يبق إلا السيف ، وفى الآية شهادة للنبى صلى الله عليه وسلم بالقدرة على بليغ الكلام وتفويض أمر الوعظ والقول البليغ إليه ، لأن لكل مقام مقالا ، والكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين ، كما أن فيها شهادة له بالحكمة ووضع الكلام فى مواضعه ، وهذا نحو ما وصف الله به نبيه داود «وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ».
قال القاضي عياض فى كتابه [الشفاء] فى وصف بلاغته صلى الله عليه وسلم :
أما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل