الألوهية وحقيقة الرسالة ، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب ، وطلبوا منه الإخبار بما يكون فى الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفة له كسائر الصفات. فقد سألوه عن وقت الساعة ، وعن وقت نزول العذاب بهم ، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم.
وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك فأحر بمن دونهم منزلة عند الله من القديسين والأولياء المقرّبين ألا يكون لهم ذلك ، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير ، ولا ينبغى التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة. كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين بسنن الله فى الأكوان.
ثم أمره أن يبين وظيفة الرسول فقال :
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) أي قل لهم : ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلا وحي الله الذي يوحيه إلىّ وتنزيله الذي ينزله علىّ ، فأمضى لوحيه وأعمل بأمره ، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول وليس ذلك بالمنكر فى عقولكم ، ولا بالمستحيل وجوده ، فما وجه إنكاركم لذلك؟.
ثم وبخهم على ضلالهم فأمررسوله أن يبين لهم أن الضال والمهتدى ليساسواء فقال :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي قل لهؤلاء المشركين المكذبين : هل يستوى أعمى البصيرة الضالّ عن الصراط المستقيم الذي دعوتكم إليه ، فلم يميز بين التوحيد والشرك ، ولا بين صفات الله وصفات البشر ، وذو البصيرة المهتدى إليه ، المستقيم فى سيره عليه بالحجة والبرهان حتى صار ذلك فى مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان ، وتسمع الأذنان.
والخلاصة ـ إنهما لا يستويان. كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.
(أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فيما أذكر لكم من الحجج فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه ، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإسلام ، وتعقلوا ما فى القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل؟ فهل يكون ذلك فى مقدورى