وبهذا مضت سنة الله فى عباده ، ولو لا هذا لكانت النعم خالدة لا تنزع ممن أوتيها وإن كفر بها ، وهل فتن أولئك الكبراء إلا بما حصل لهم من الغنى والقوة؟ فظنوا جهلا منهم بسنة الله فى أمثالهم أنه تعالى ما أعطاهم ذلك إلا تكريما لذواتهم ، وتفضيلا لهم على غيرهم.
وفى الآية إيماء إلى أن ما اغترّوا به من النعم لن يدوم ، ولا يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه ، بل لا بد أن تنعكس الحال فيسلب الأقوياء ما أعطوا من قوة ومال ، وتدول الدّولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين فيكونوا هم الأئمة الوارثين «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ»
كذلك فيها إشارة إلى أن تركهم للإيمان لم يكن إلا جحودا ناشئا عن الكبر والعلوّ فى الأرض لا عن حجة ولا عن شبهة ، وإلى أن ضعفاء المؤمنين السابقين لم يفتنوا بغنى كبراء المشركين وقوتهم.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))
تفسير المفردات
السلام والسلامة : البراءة والعافية من الآفات والعيوب ، والسلام : من أسمائه تعالى يدل على تنزيهه عن كل ما لا يليق به من نقص وعجز وفناء ، واستعمل السلام فى التحية بمعنى السلامة من كل ما يسوء ، وبمعنى تأمين المسلم عليه من كل أذى يناله