عامة وألا أسلّط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبى بعضهم بعضا».
وقد ظهر صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى بلوغ ملك أمته مشارق الأرض ومغاربها وفى وقوع بأسهم بينهم ، وما زال ملكهم عن أكثر تلك الممالك إلا بتفرقهم ثم بمساعدتهم للأجانب على أنفسهم ، وكم تألبت عليهم الأمم فلم ينالوا منهم بدون ذلك منالا ، وما بقي لهم الآن إلا القليل الذي يطمع فيه الطامعون.
ومن هذا نعلم أن الله لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ما داموا مستمسكين بها.
يرشد إلى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : من قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يؤمئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، وسينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفنّ فى قلوبكم الوهن ، قال قائل : يا رسول الله وما الوهن؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت» رواه أبو داود والبيهقي.
ثم طلب منه النظر فيما لديه من الحجج والبينات فقال :
(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) أي تأمل بعين بصيرتك أيها الرسول كيف نصرف الآيات والدلائل ونتابعها على أنحاء شتى : منها ما طريقه الحس ، ومنها ما طريقه العقل ، ومنها ما سبيله علم الغيب ، لعلهم يفقهون الحق ويدركون الحقائق بأسبابها وعللها التي تفضى إلى الاعتبار والعمل بها.
وأقرب الوسائل إلى تحصيل ذلك تصريف الآيات واختلاف الحجج والبينات ، وبذا يتذكرون ويزدجرون عما هم عليه مقيمون من التكذيب بكتابنا ورسولنا ، وانكبابهم على عبادة الأوثان والأصنام.
ثم ذكر أن قومه قد كذبوا به على وضوح حجته فقال.
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ) أي وكذب قومك بالقرآن على ما صرّفنا فيه