الإيضاح
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) أي ما بحر الله بحيرة ، ولا سيّب سائمة ، ولا وصل وصيلة ، ولا حمى حاميا ، أي ما شرع ذلك ولا أمر به وما جعله دينا لهم ، وهذا رد وإبطال لما كان يفعله أهل الجاهلية فى جاهليتهم.
(وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) إذ يفعلون ما يفعلون ويزعمون أن الله يأمرهم بهذا ، وأول من سنّ لأهل الشرك تلك السنن الرديئة ، وغيّر دين الله دين الحق وأضاف إليه أنه هو الذي حرم ما حرموا وأحل ما أحلوا افتراء على الله الكذب واختلاقا عليه ـ وهو عمرو بن لحىّ الخزاعىّ ، فهو الذي غيّر دين إبراهيم وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامى.
أخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم بن الجون «يا أكتم عرضت علىّ النار ، فرأيت فيها عمرو بن لحىّ ابن قمعة ، بن حنذف يجرّ قصبه (القصب : المعى وجمعه الأقصاب) فى النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك ، فقال أكتم أخشى أن يضرنى شبهه يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أول من غيّر دين إسماعيل وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامى».
(وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أنهم يفترون على الله الكذب بتحريم ما حرموا على أنفسهم ، وأن ذلك من أعمال الكفر ، بل يظنون أنهم يتقربون به إليه ولو بالوساطة. لأن آلهتهم التي يسيبون باسمها السوائب ويتركون لها ما حرموه على أنفسهم ، ليست إلا وسطاء بينهم وبين الله بزعمهم ، تشفع لهم عندهم وتقربهم إليه زلفى.
والعبرة من هذا أن كل مبتدع فى الدين بتحريم طعام أو غيره ، وتسييب عجل لسيد البدوي أو سواه ، وسنّ ورد أو حزب يضاهى به المشروع من شعائر الدين ، ونحو ذلك من العبادات التي لم تؤثر عن الشارع ، زاعما أنه جاء بما يتقرب به لله تعالى