وإن تغفر فإنما تغفر لمن يستحق المغفرة ، وإنك أنت العزيز الغالب على أمره ، الحكيم فى تصرفه وصنعه ، فيضع كل جزاء وكل فعل فى موضعه.
وخلاصة المعنى ـ إنك إن تعذب فإنما تعذب من يستحق التعذيب ، وإن تغفر فإنما تغفر لمن هو أهل لذلك ، ومهما توقعه فيهم من عذاب فلا دافع له من دونك ، ومهما تمنحهم من مغفرة فلا يستطيع أحد حرمانهم منها بحوله وقوته ، لأنك أنت العزيز الذي يغلب ولا يغلب ، ويمنع من شاء ما شاء ولا يمنع ، وأنت الحكيم الذي تضع كل شىء موضعه ، فلا يمكن أحدا غيرك أن يرجعك عنه.
ومن هذا تعلم أن كلام عيسى عليه السلام لا يتضمن شيئا من الشفاعة لقومه ، ومما يؤيد هذا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى فى إبراهيم صلى الله عليه وسلم : «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» الآية ، وقول عيسى عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فرفع يديه إلى السماء وقال : «اللهم أمتى أمتى ، وبكى ، فقال الله عزّ وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال ـ وهو أعلم ـ فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك» ، وما رواه البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ألا وإنه يجاء برجال من أمتى يوم القيامة فيؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول : أصحابى ، فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ـ إلى قوله ـ الْحَكِيمُ) قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم» وما رواه أحمد والنسائي وابن مردويه «أنه صلى الله عليه وسلم قام بهذه الآية : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ