محمد صلى الله عليه وسلم من علماء اليهود كعلة من أنكروا ذلك من المشركين بعد ظهور آياتها ، بل أنكروا ما هو أظهر منها وهى وحدانية الله تعالى ـ أنهم خسروا أنفسهم فهم يؤثرون ما لهم من الجاه والمكانة والرياسة فى قومهم على الإيمان بالرسول النبي الأمى الذي يجدونه مكتوبا عندهم ، علما منهم بأنهم إذا آمنوا سلبوا الرياسة ، وجعلوا مساوين لسائر المسلمين فى سائر الأحكام والمعاملات.
وكذلك كان بعض رؤساء قريش يعزّ عليه أن يؤمن فيكون تابعا ومرءوسا ويكون مثله مثل بلال الحبشي وصهيب الرومي وغيرهما من فقراء المسلمين.
فهؤلاء الذين نزلت فيهم هذه الآية خسروا أنفسهم لضعف إرادتهم لا لفقدان العلم والمعرفة ، لأن الله أخبر عنهم أنهم على علم ومعرفة.
وبعد أن ذكر أن إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خسران للنفس ـ ذكر أن الافتراء على الله ظلم لها ، وقد خاب من افترى.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ، كمن زعم أن له ولدا أو شريكا أو أن غيره يدعى معه أو من دونه أو يتّخذ وليا له يقرّبه إليه زلفى ويشفع للناس عنده ، أو زاد فى دينه ما ليس منه ، أو من كذب بآياته المنزلة كالقرآن ، أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله.
وإذا كان كل من التكذيب والكذب والافتراء قد بلغ غاية القبح وصاحبه يعدّ مفتريا ظالما ، فما حال من جمع بينهما ، فكذب على الله وكذب بآياته المثبتة للتوحيد والمثبتة للرسالة؟.
ثم بين سبحانه عاقبة الظالمين وسوء منقلبهم فقال :
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي إن الظالمين عامة لا يفوزون فى عاقبة أمرهم يوم الحساب والجزاء بالنجاة من عذاب الله ولا بنعيم الجنة ، فكيف تكون عاقبة من افترى على الله الكذب وكذب بآياته فكان أظلم الظالمين.