وقال الرازي : إنهم لا يسألون عن الأعمال لأن الكتب قد أحصتها ، لكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال وعن الصوارف التي صرفتهم عنها ا ه. يريد أنهم يسألون عن الموانع التي حالت بينهم وبين عمل ما طلب منهم عمله ، أو فعل ما طلب إليهم تركه.
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) القصّ تتبع الأثر إما بالعمل كما فى قوله حكاية عن أم موسى «وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ» وإما بالقول كما فى قوله : «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ».
أي فلنقصن على الرسل وعلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم كل ما وقع من الفريقين قصصا بعلم منا محيط بكل ما كان منهم ، فلا يعزب عنا مثقال ذرة ، وقد روى عن ابن عباس أنه يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
(وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم فى وقت من الأوقات ولا حال من الأحوال ، بل كنا معهم نسمع ما يقولون ونبصر ما يعملون ، ونحيط علما بما يسرون وما يعلنون ، كما قال تعالى : «وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ، وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً».
وفى هذا إيماء إلى أن السؤال لم يكن للاستعلام والاستبانة لشىء مجهول عنه تعالى ، بل للإعلام والإخبار بما حدث منهم توبيخا لهم وتأنيبا على إهمالهم.
وهذا القصص هو الذي يكون به الحساب ويتلوه الجزاء ، وقد دل عليه الكتاب الكريم فى مواضع عدة ، ودلت عليه السنة ؛ فمن ذلك ما رواه ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع يسأل عن الناس ، والرجل راع يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده»وما رواه المقدام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة ، بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه ، فيسأل عنهم ويسألون عنه» وما رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمى مرفوعا :