(ح) إنه جعل امتثال الأمر موقوفا على استحسانه له وموافقته لهواه ، وهذا رفض لطاعة الخالق وترفّع عن مرتبة العبودية ، والمرءوس فى الدنيا إذا لم يطع أمر الرئيس إلا فيما يوافق هواه ، صار الأمر فوضى والعاقبة وخيمة ، فلا يصلح عمل ولا يتم الفوز والنجاح.
وقد روى أبو نعيم فى الحلية عن جعفر الصادق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال الله تعالى له اسجد لآدم قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين» قال جعفر : فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس.
(د) استدلاله على خيريته بالمادة التي منها التكوين ، وخيرية الموادّ بعضها على بعض أمور اعتبارية تختلف فيها الآراء ولا تثبت بالبرهان ، إلى أن كثيرا من الموادّ النفسية خسيسة الأصل ، ألا ترى أن أصل المسك الدم ، والماس من (الكربون) الذي هو أصل الفحم ، إلى أن الملائكة خلقوا من النور وهو قد خلق من النار ، والنور خير من النار ، وهم قد سجدوا امتثالا لأمر ربهم.
(ه) إن جميع الأحياء النباتية والحيوانية التي فى هذه الأرض إما من الطين مباشرة أو بالواسطة وهى خير ما فيها ، وليس للنار شىء من هذه المزايا ولا ما يقرب منها.
(ز) إنه قد جهل ما خص به آدم من استعداده العلمي والعملي أكثر من سواه ، ومن تشريفه بأمر الملائكة بالسجود له ، فكان بذلك أفضل منهم ، وهم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة وبالطاعة لربهم.
وكل ما قدمنا مبنى على أن الأمر بالسجود أمر تكليف ، وأنه قد وقع حوار بين الله وإبليس.
ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان ، إذ جعل الملائكة وهم المدبرون لأمور الأرض بإذن ربهم ـ مسخرين لآدم وذريته ، وجعل هذا النوع مستعدا للانتفاع بالأرض كلها بعلمه بسنن الله فيها وعمله بهذه السنن ، فالانتفاع بمائها وهوائها ومعادنها ونباتها وحيوانها وكهربائها ونورها ، وبذلك ظهرت