وما ورد من أن الدعاء وصلة الرحم يطيلان العمر ، فإنما ذلك بالنسبة للأجل التقديري أو الطبيعي الذي هو مظهر سنن الله فى الأسباب والمسببات ، فإن الدعاء الذي منشؤه قوة الإيمان بالله والرجاء فى معونته وتوفيقه للمؤمن فيما يعجز عن أسبابه ، من أسباب طول العمر ، وكذلك صلة الرحم من أهم أسباب هناء العيش ، وهناؤه من أهم العوامل فى إطالة العمر.
كما دلت التجارب على أن الهموم والأكدار خصوصا ما كان منها داخليا كقطيعة الأرحام واليأس من روح الله ومعونته مما يضعف قوى النفس ويهرم الجسم قبل إبّان هرمه ، وقد عرف هذه الحقيقة ذلك الشاعر الحكيم حين قال :
والهمّ يخترم الجسيم نحافة |
|
ويشيب ناصية الصبى ويهرم |
ومثلها فى ذلك قلة الغداء الذي يحتاج إليه البدن أو كثرته ، والإسراف فى كل لذة ، والسكنى فى الأمكنة التي لا يدخلها ضوء الشمس ولا يتخللها الهواء بالقدر الذي يقتل الجراثيم.
والأمم العريقة فى المدنية والحضارة والعالمة بالسنن الإلهية فى الصحة والسقم ، والقوة والضعف ، تحصى دائما عدد المرضى والموتى وتضع لذلك نسبا حسابية تعرف بها متوسط الآجال فى كل منها.
وكذلك قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه أن من أسباب قلة الوفيّات تحسين وسائل المعيشة والاعتدال فيها ، وتوقى الأمراض باجتناب أسبابها المعروفة قبل وقوعها ومعالجتها بعد حدوثها.
وكل ما يقع فالعلم الإلهى قد سبق به وكتاب الله وسنة رسوله يؤيدان ذلك أتم التأييد.
وخلاصة معنى الآية ـ إن لكل أمة أجلا لا يتأخرون عنه إذا جاء ، ولا يتقدمون عليه أيضا ، فيهلكوا قبل مجيئه.
ونحو الآية قوله : «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ».