الإفساد فى الأرض بعد إصلاحها ، وأبان لنا أن رحمته قريب من المحسنين ـ قفّى على ذلك بذكر بعض ضروب من رحمته ، إذ أرسل إلينا الرياح وما فيها من منافع للناس ـ فبها ينزل المطر الذي هو مصدر الرزق وسبب حياة كل حى فى هذه الأرض ، وفى ذلك عظيم الدلالة على قدرته تعالى على البعث والنشور.
الإيضاح
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) أي إن ربكم المدبّر لأمور الخلق ، هو الذي يرسل الرياح بين يدى رحمته : أي بين الأمطار وأمامها حال كونها مبشرات بها ، فينشىء بها سحابا ثقالا لكثرة ما فيها من الماء ، حتى إذا أقلتها ورفعتها إلى الهواء ساقها لإحياء بلد ميت قد عفت مزارعه ، ودرست مشاربه ، وأجدب أهله.
ونحو الآية قوله : «وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ».
(فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) أي فأنزلنا بالسحاب الماء ، إذ قد ثبت أنه حينما يسخن الهواء القريب من سطوح البحار وغيرها بتأثير الحرارة ، يرتفع فى الجو ويبرد لوصوله إلى منطقة باردة ، أو لا متزاجه بتيار من الهواء البارد ، فإذا برد تكاثف منه بخار الماء وتكوّن السحاب ، فالسحاب ناشىء من تكاثف بخار الماء من الهواء فى الطبقات العالية من الجو ، وهو لا يكون ثابتا فى مكان ، بل يسير فى اتجاه أفقى مدفوعا بقوة الريح ، ويتراوح بعده عن الأرض بين ميل وعشرة أميال ، ويكون معتما مشبعا بالماء إذا كان قريبا من سطح الأرض ، وهو الذي ينشأ عنه المطر لتجمع قطيرات الماء التي فيه