ونحو الآية قوله : «قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ».
(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي وغرتهم زينة الحياة الدنيا ومتاعها من الشهوات والأموال والأولاد وحب السلطان على الناس وعظيم الجاه ، فكفروا بالرسل عنادا وكبرا ، وفلدهم فى ذلك أتباعهم ، واغتر كل منهم بما يغتر به من التعاون مع الآخر.
وأما غرور غيرهم ممن جاء بعدهم بالدنيا ، فلما غلب عليهم من الإسراف فى الشهوات المحرمة والجاه الباطل حتى لقد أصبحت الحظوة بين الناس لذوى المال والنسب مهم اجترحوا من الموبقات وأبسلوا من المكارم والخيرات.
(وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) أي وبعد أن قامت عليهم الحجة شهدوا على أنفسهم بأنهم كانوا فى الدنيا كافرين بتلك الآيات والنذر التي جاء بها الرسل حين رأوا أنه لا يجديهم الكذب ولا تنفعهم المكابرة.
والكفر بالرسل ضربان : كفر بتكذيبهم بالقول ، وكفر بعدم الإذعان النفسي الذي يتبعه العمل بحسب سنن الله فى ترتب الأعمال على الطباع والأخلاق.
(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) أي ذلك الذي ذكر من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله لإصلاح حال الأفراد والجماعات فى شئونهم الدنيوية والأخروية ، وينذرونهم يوم الحشر والجزاء ، بسبب أن الله لم يكن من سنته فى تربية خلقه أن يهلك الأمم بعذاب الاستئصال الذي أوعد به مكذبى الرسل بظلم منهم وهم غافلون عما يجب أن يقفوا به ذلك الهلاك ، بل يسبق هلاك كل أمة إرسال رسول يبلغها ما يجب أن تكون عليه من الصلاح والحق بما يفصه عليها من آيات الوحى فى عصره ، أو بما ينقله إليها من يبلغونها دعوته من بعده ، إذ من حكمة الله فى الأمم جعل ما يحل بها من عقاب جزاء على عمل استحقته به ، فيكون عقابها تربية لها وزجرا لسواها.