العلم ما يرشدهم إلى ما يدّعون ، بل لقد بلغ الأمر بهم أن وسوس لهم الشيطان وهم يناجون أنفسهم ، أو إذا خلوا إلى شياطينهم أن قالوا إن تعاليم الإسلام أضعفنهم وأضاعت عليهم ملكهم : «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» أفليست تعاليمهم هذه هى التي شيّدت صروح المجد فى سالف العصور ، وأقامت ملكا ضم أطراف المغرب والمشرق؟
أليس أسلافهم بهذه التعاليم ثلّوا عروش الأكاسرة والقياصرة ، ودوّخوا الممالك ، وأسسوا حضارات ووضعوا قوانين لا تزال أرقى الأمم مدنية تمنح من معينها ، وتطفئ ظمأها من نميرها العذب؟
وقد التمس بعضهم هداية غير هداية القرآن ليؤسس عليها سعادة دنياه فكان كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، فلم يتم له ما أراد وخسر دنياه وأخراه ، وذلك هو الضلال البعيد.
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي ولكل عامل فى طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) أي فكل عملهم يعلمه ربهم وهو محصيه عليهم ، ومجازيهم بالسيئة سيئة مثلها ويضاعف الحسنات من فضله عند لقائهم إياه ومعادهم إليه.
وفى الآية إيماء إلى أن سناط السعادة والشقاء هو عمل الإنسان ومشيئته ، فإن شاء عمل عمل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فكان من الذين سمعوا القول واتبعوا أحسنه ، فجازاه الله أحسن الجزاء ، وإن شاء تنكب عن جادّة الدين ورمى أحكامه وراءه ظهر يا وسار فى غلواء الضلال ، فكان من الأشقياء الذين كبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون.