ولا إرادة كما يجرى الدم فى أبدانكم ، أو مع الشعور بأنها ليست من أفعالكم ، وحينئذ لا تكونون من نوع الإنسان الذي قضت الحكمة وسبق العلم بخلقه مستعدا لعمل الخير والشر والحق والباطل ، ويرجح أحدهما على الآخر بالاختيار ، والاختيار لأحدهما بمشيئته ـ لا ينفى مشيئة الله تعالى ولا يعارضها ، فإنه هو الذي شاء أن يجعله فاعلا باختياره.
ونحو الآية قوله : «وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا» وقوله : «مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» وقوله : «وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» وقوله : «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟».
وبعد أن نفى عنهم العلم وسجل عليهم اتباع الخرص والكذب ، ليظهر لهم أنهم ليسوا على شىء يعتدّ به من العلم ـ أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطالب مشركى قومه بإحضار من عساه يعتمدون عليه من الشهداء فى إثبات تحريم الله تعالى عليهم ما ادّعوه من المحرمات فقال :
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي أحضروا شهداءكم الذين يخبرون عن مشاهدة وعيان أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه.
والخلاصة ـ عليكم أن تحضروا من أهل العلم الذين تتلقى عنهم الأمم الأحكام الدينية وغيرها بالأدلة الصحيحة التي تجعل النظريات العلمية كأنها مشاهدات حسية من يشهد لكم بصحة ما تدّعون.
(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فإن فرض إحضار هؤلاء الشهود فلا تصدّقهم ولا تقبل لهم شهادة ، ولا تسلمها لهم بالسكوت عليها ، فإن السكوت على الباطل كالشهادة به.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي ولا تتبع أهواء هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا المنزلة ، وبما أرشدت إليه من الآيات الكونية فى الأنفس والآفاق.