وقد كان الناس فى الجاهلية لا يحترمون إلا القوة ، ولا يعرفون الحق إلا للأقوياء ، ومن ثم بالغ الشارع فى الوصية بالضعيفين : المرأة ، واليتيم.
والقوة التي يحفظ بها المرء ماله فى هذا العصر هى اتزان الفكر ، والرشد العقلي والأخلاق بكثرة المران والتجارب فى المعاملات ، لكثرة الفسق والحيل ووجود أعوان السوء الذين يوسوسون إلى الوارثين ويزينون لهم الإسراف فى اللذات والشهوات على جميع ضروبها حتى لا يتركوهم إلا وهم فقراء ، وقلما يستيقظون من غفلتهم إلا إذا بلغوا سن الكهولة التي يكمل فيها العقل ويفقهون تكاليف الحياة ويهتمون فيها بأمر النسل.
وقد شرط الشارع الحكيم لإيتاء اليتامى أموالهم بلوغ سن الحلم وظهور الرشد فى المعاملات المالية بالاختبار كما سلف فى سورة النساء من قوله : «وَابْتَلُوا الْيَتامى» الآية.
(٧) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي وأتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم ، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون ، فليكن كل ذلك وافيا تاما بالعدل ، ولا تكونوا من أولئك المطففين الذين وصفهم الله بقوله : «الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ».
والخلاصة ـ أن الإيفاء يكون من الجانبين : حين البيع ، وحين الشراء ، فيرضى المرء لغيره ما يرضاه لنفسه. وقوله : (بِالْقِسْطِ) يدل على تحرى العدل فى الكيل والميزان حال البيع والشراء بقدر المستطاع.
(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي إن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا ما يسعها فعله ، بأن تأتيه بلا عسر ولا حرج ، فهو لا يكلف من يبيع أو يشترى الأقوات ونحوها أن يزنها أو يكيلها بحيث لا تزيد حبة ولا مثقالا ، بل يكلفه أن يضبط الوزن والكيل له أو عليه سواء بحيث يعتقد أنه لم يظلم بزيادة ولا نقص يعتد بهما عرفا.