وفى هذا تعريض بأن ما هم عليه من الشرك وتحريم السوائب وغيرها مما لا تعقل له فائدة ، ولا تظهر فيه لذوى العقول الراجحة مصلحة.
(٦) (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ولا تقربوا مال اليتيم إذا وليتم أمره ، أو تعاملتم به ولو بواسطة وليه أو وصيه إلا بالفعلة التي هى أحسن فى حفظ ماله وتثميره ، ورجحان مصلحته ، والإنفاق منه على تربيته وتعليمه ما به يصلح معاشه ومعاده.
والنهى عن القرب من الشيء أبلغ من النهى عنه ، فإن الأول يتضمن النهى عن الأسباب والوسائل المؤدية إليه ، وعن الشبهات التي هى مظنة التأويل ، فيبتعد عنها ، المتّقى ويستسيغها الطامع فيه إذ يراها بالتأويل من الوجوه الحلال التي لا تضرّ به أو يرجح نفعها على ضررها ، كأن يأكل شيئا من ماله حين يعمل عملا له فيه ربح ولولاه ماربح.
(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) والأشدّ مبلغ الرجل الحنكة والمعرفة ، ولبلوغه طرفان ، أدناهما الاحتلام الذي هو مبدأ سن الرشد والقوة التي يخرج بها عن كونه يتيما أو سفيها أو ضعيفا ، ونهايته سن الأربعين ؛ والمراد هنا الأول كما قال الشعبي ومالك وآخرون :
ويكون ذلك عادة بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة.
أي احفظوا مال اليتيم ولا تسمحوا له بتبذير شىء من ماله وإضاعته أو الإسراف فيه حتى يبلغ ، فإذا بلغ فسلموه إليه ، وهذا نظير قوله : «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ».
والخلاصة ـ إن المراد النهى عن كل تعدّ على مال اليتيم وهضم لحقوقه من الأوصياء وغيرهم حتى يبلغ سن القوة بدنا وعقلا ، إذ قد دلت التجارب على أن الحديث العهد بالاحتلام يكون ضعيف الرأى قليل الخبرة بشئون المعاش يخدع كثيرا فى المعاملات.