ثم ذكر بعدهم حال طائفة من المنافقين هى شر الجميع مرنت على النفاق وحذقت فنونه ، وحال طائفة أخرى بين المنزلتين خلطت سيىء العمل بأحسنه ، وهؤلاء يرجى لهم التوبة والغفران من ربهم.
الإيضاح
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ذكر الله فى هذه الآية ثلاث طبقات من الأمة هى خيرها :
(١) السابقون الأولون من المهاجرين ، وهم الذين هاجروا قبل صلح الحديبية ، وقد كان المشركون يضطهدون المؤمنين ويقاتلونهم فى دار الهجرة وما حولها ولا يمكّنون أحدا من الهجرة متى كان ذلك فى طاقتهم ، ولا منجاة للمؤمنين من شرهم إلا بالفرار أو الجوار ، فالذين هاجروا فى ذلك الحين كانوا من المؤمنين الصادقين ، وأفضل هؤلاء الخلفاء الأربعة ثم العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
(٢) السابقون الأولون من الأنصار ، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة فى منى فى المرة الأولى سنة إحدى عشرة من البعثة ، وكانوا سبعة ، وفى المرة الثانية ، وكانوا سبعين رجلا وامرأتين.
(٣) الذين اتبعوا هؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فى الهجرة والنصرة حال كونهم محسنين فى أفعالهم وأقوالهم ، فإذا اتبعوهم فى ظاهر الإسلام كانوا منافقين مسيئين غير محسنين فى هذا الاتباع ، وإذا اتبعوهم محسنين فى بعض أعمالهم ومسيئين فى بعض كانوا مذنبين.
(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أي هؤلاء جميعا رضى الله عنهم فى إيمانهم وإسلامهم ، فقبل طاعتهم وتجاوز عن زلّاتهم ، وبهم أعز الإسلام ونكّل بأعدائه من المشركين وأهل الكتاب ، ورضوا عنه بما أسبغ عليهم من نعمه الدينية والدنيوية فأنقذهم من الشرك ، وهداهم من الضلال ، وأعزهم بعد الذل ، وأغناهم بعد الفقر.