ولما قفل عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين فى مسجدهم (مسجد قباء) الذي أسس من أول يوم على التقوى ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من يهدمه قبل مقدمه المدينة وأمر أن يتّخذ كناسة تلقى فيها القمامة إهانة لأهله.
الإيضاح
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ).
روى أن الذين اتخذوا هذا المسجد كانوا اثنى عشر رجلا من منافقى الأوس والخزرج ، وقد بين الله الأغراض التي لأجلها بنى ، وهى :
(١) مضارة المؤمنين من أهل مسجد قباء الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه من مكة مهاجرا قبل وصوله إلى المدينة.
(٢) تقوية الكفر وتسهيل أعماله من فعل وترك ، كتمكين المنافقين من ترك الصلاة هناك مع خفاء ذلك على المؤمنين لعدم اجتماعهم فى مسجد واحد ، والتشاور فيما بينهم فى الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيه إلى نحو أولئك من مقاصد المنافقين.
(٣) التفريق بين المؤمنين المقيمين هنالك ، فإنهم كانوا يصلون جميعا فى مسجد قباء ، وفى ذلك حصول التعارف والتآلف والتعاون وجمع الكلمة وهى أهم مقاصد الإسلام الاجتماعية ، ومن ثم كان تكثير المساجد وتفريق الجماعة منافيا لأغراض الدين ومراميه ، ومن الواجب أن يصلى المسلمون الجمعة فى مسجد واحد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، فإن تفرقوا عمدا كانوا آثمين.
ومن هذا يعلم أن بناء المساجد لا يكون قربة يتقبلها الله إلا إذا دعت الحاجة