وميزّنا بعضهم من بعض ، كما يميز بين الخصوم عند الحساب ويراد بهذا التفريق تقطيع ما كان بينهم فى الدنيا من صلات وروابط وبيان خيبة ما كان للمشركين فى الشركاء من آمال.
(وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) أي وقال شركاؤهم : ما كنتم تخصوننا بالعبادة ، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم وشياطينكم التي كانت تقوّيكم ، وتتخذون تماثيلنا هياكل لمنافعكم وأغراضكم ، والمعبود الحق هو الذي يعبد ، لأنه صاحب السلطان الأعلى على الخلق وبيده النفع والضر.
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي فكفى الله شهيدا وحكما بيننا وبينكم ، فهو العليم بحالنا وحالكم.
(إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) أي إننا كنا فى غفلة عن عبادتكم لا ننظر إليها ولا تفكّر فيها.
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي فى موقف الحساب تختبر كل نفس من عابدة ومعبودة ، ومؤمنة وجاحدة ، ما قدمت فى حياتها الدنيا من عمل ، وما كان لكسبها فى صفاتها من أثر ، خير أو شر ، بما ترى من الجزاء عليه ، فهو ثمرة طبيعية له ، لا شأن فيه لولىّ ولا شفيع ، ولا معبود ولا شريك.
(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) أي وأرجعوا إلى الله الذي هو مولاهم الحق ، دون ما اتخذوا من دونه بالباطل من الأولياء والشفعاء ، والأنداد والشركاء.
وقد جاء هذا المعنى فى آيات كثيرة كقوله : «إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ» وقوله : «إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ» وقوله : «وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ».
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي وضاع عنهم ما كانوا يفترون عليه من الشفعاء والأولياء ، فلم يجدوا أحدا ينصرهم ولا ينقذهم من هول ذلك الموقف كما قال : «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» وقد تكرر هذا المعنى فى آيات