وهذه الشبهة التي تمسكوا بأذيالها قد سبق إليها أقوام الأنبياء قبلهم كما جاء فى قصة نوح وهود من سورة الأعراف «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ؟».
وقد يكون وجه العجب كونه من أفنائهم من جهة المال كما جاء على لسانهم وحكاه الله عنهم «لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» وحكى عنهم أنهم قالوا : العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا إلا يتيم أبى طالب.
فإن كانوا قد عنوا الأول ، فهو عجب عاجب ، لأن بعث الملك إنما يتسنى إذا كان المبعوث إليهم ملائكة كما قال تعالى منكرا عليهم ذلك «قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً».
وإن كانوا أرادوا الثاني فهو أغرب منه ، لأن مدار الاصطفاء للإيحاء هو التبريز فى إحراز الفضائل ونيل المكرمات ، وللنبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك القدح المعلّى فقد شهر من بينهم بالأمانة والصدق وحسن السمعة وبلوغ الغاية فى الكمالات ، ولله در القائل :
خلقت مبرّأ من كل عيب |
|
كأنك قد خلقت كما تشاء |
وكما قال الآخر :
ولو صوّرت نفسك لم تزدها |
|
على ما فيك من كرم الطباع |
وليس للتقدم فى حظوظ الدنيا ولا للسبق فى رياساتها مدخل فى ذلك لا بقبيل ولا دبير ، ولا قليل ولا كثير ، فليس الغنى سببا للقرب والزلفى عند الله كما قال تعالى : «وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى».
(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس كافة وأعلمهم بالتوحيد والبعث وسائر مقاصد الدين مع التخويف بعاقبة ما هم فيه من كفر وضلال.